الفيديرهات المحذوفة الدار بيضاء /التفاهة في مواقع التوصل

 الفيديرهات المحذوفة الدار بيضاء  /التفاهة في مواقع التوصل 



الفيديوهات التي تبحت عنها فهي في الأسفل 🚨‼️

تشهد الساحة المغربية والعربية خلال السنوات الأخيرة تحولا عميقا في شكل المحتوى الرقمي الذي يسيطر على منصات السوشل ميديا، إذ أصبح الترند المغربي اليوم مرتبطا بشكل وثيق بموجة من المحتوى الذي يصنفه الكثيرون ضمن خانة التفاهة والانحطاط، وهو محتوى يحقق نسب مشاهدة خيالية رغم أنه لا يقدم أي قيمة معرفية أو ثقافية، بل يعتمد فقط على الإثارة والفضائح والعنف اللفظي والتشويق المصطنع، وقد تحولت مواقع مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام إلى ساحات مفتوحة يتنافس فيها صناع المحتوى على من يقدم مشهدا أكثر صدمة أو لقطة أكثر جرأة كي يصعد إلى الترند المغربي، مما أدى إلى تراجع المحتوى الهادف وتهميش الأصوات المفيدة التي تحاول نشر الوعي والمعلومات، ويرجع هذا التحول في جانب منه إلى طبيعة الخوارزميات التي تمنح قوة أكبر للمحتوى الذي يثير الجدل، ما يجعل المؤثرين يتعمدون خلق صراعات مع بعضهم البعض أو افتعال مشاكل أو الظهور في بث مباشر مليء بالصراخ والإهانات فقط لجلب الانتباه، وهو ما يظهر جليا في قضايا عدد من المؤثرين الذين أثاروا جدلا واسعا وتم تداول أخبار متعلّقة بهم في الإعلام الرقمي، مثل مولينيكس الذي أصبحت قصته أحد أشهر الأمثلة على كيفية تحوّل صانع محتوى من مجرد شخصية عادية إلى ظاهرة تملأ الترند المغربي بسبب بثوث مباشرة مثيرة للجدل، وكذلك إلياس المالمي الذي شكّلت قضيته محور نقاش اجتماعي كبير حول مسؤولية المؤثرين الشباب وتأثيرهم على المراهقين، بالإضافة إلى اسم بوز فلو الذي رغم انتمائه لعالم الراب فإن قضيته الأخيرة ألقت بظلالها على نقاش أكبر يتعلق بحدود الحرية في مواقع التواصل الاجتماعي وكيف أصبح الراب المغربي أيضا جزءا من موجة الجدل، ورغم أن هذه الأسماء تتصدر الترند المغربي إلا أن الهدف من ذكرها ليس التشهير وإنما لتوضيح صورة المشهد الرقمي الحالي الذي صار يعتمد على الضجة أكثر مما يعتمد على القيمة، وهذا ما يلاحظه المتابعون بشكل يومي عند تصفحهم لمواقع التواصل حيث تسيطر فيديوهات الفضائح والمشاجرات والاتهامات المتبادلة بين اليوتيوبرز على الصفحات الأولى، في حين تتراجع الفيديوهات التعليمية أو الاجتماعية الهادفة إلى أسفل الخوارزمية.


ومع هذا الانفجار في التفاهة الرقمية، برزت ظواهر اجتماعية موازية يتم توثيقها في فيديوهات تنتشر على نطاق واسع، خاصة تلك المصورة في مدينة الدار البيضاء ليلا، حيث أصبحت بعض الشوارع في مناطق معروفة مثل وسط المدينة وكورنيش عين الذياب وبعض الأحياء الشعبية مسرحا لصور صادمة لا تعكس حقيقة المجتمع المغربي، لكنها تظهر جانبا سلبيا يتغذّى على الفوضى الليلية، وتحوّلت تلك الفيديوهات إلى مادة رئيسية في الترند المغربي، إذ يمكن رؤية مشاهد مرتبطة بالدعارة في الشارع، ونساء وفتيات يتفاوضن مع زبائن داخل سيارات متوقفة قرب الأرصفة، إضافة إلى تسجيل حالات تحرش علني وصراعات بين مجموعات من الشباب تحت تأثير الكحول أو المخدرات الخفيفة، وانتشار عربات وسيارات تتوقف بشكل فوضوي فيما يصوّر أحد المارة المشهد وينشره على تيك توك أو يوتيوب تحت عنوان صادم مثل فيديوهات الدار البيضاء ليلا، أو حقيقة الدعارة في الشارع، أو فوضى عين الذياب، وهي عناوين تستعمل بقوة ككلمات دلالية لجلب أكبر عدد من المشاهدات، وقد ساهم انتشار هذا النوع من المحتوى في خلق صورة سوداوية عن المدينة رغم أن هذه الظواهر لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من الواقع، غير أن الترند المغربي يضخم أي مشهد سلبي ويجعل منه مادة قابلة للاستغلال، خصوصا من طرف صفحات تبحث عن الربح السريع، وهذا ما جعل عددا من المختصين يحذرون من تأثير المحتوى التافه على الأطفال والمراهقين، لأنهم يتعرضون يوميا لمشهد رقمي فوضوي يروج للعنف والابتذال بشكل يوهمهم بأن ذلك طبيعي.


ويؤكد مراقبون أن جزءا من مسؤولية انتشار هذا النوع من الفيديوهات يعود إلى غياب وعي رقمي لدى العديد من المستخدمين الذين يقومون بتصوير كل مشهد صادم دون التفكير في العواقب، ونشره بسرعة فقط للظهور في الترند، مما جعل مواقع التواصل تمتلئ بمحتوى غير أخلاقي أو مشاهد مزعجة أو صور شخصية دون إذن أصحابها، في وقت تتدخل فيه السلطات المغربية بشكل متكرر للحد من هذا الانفلات، لكن حجم المحتوى كبير جدا يصعب التحكم فيه بالكامل، خصوصا مع صعود جيل جديد من المؤثرين الذين يعتبرون أن الشهرة أصبحت بمتناول اليد بمجرد الدخول في حرب كلامية مع صانع محتوى آخر أو استخدام عبارات بذيئة، وهناك من يعتمد على السخرية من الآخرين والتهجم على حياتهم الخاصة، وهو ما أدى إلى ظهور موجة عنيفة من التنمر الإلكتروني جعلت الكثير من المتابعين يتساءلون عن سبب تراجع الأخلاق الرقمية ولماذا لم يعد الاحترام جزءا أساسيا من التواصل كما كان في السابق.


ويضاف إلى ذلك أن المحتوى التافه أصبح مرتبطا بشكل مباشر بثقافة الربح من الإنترنت، حيث يدرك اليوتيوبرز أن الفيديو الذي يحمل عنوانا صادما مثل فضيحة جديدة لمؤثرة مغربية أو ترند المغرب اليوم أو حقيقة ما يجري في الدار البيضاء سيحصل على آلاف أو ملايين المشاهدات، وبالتالي مداخيل مالية كبيرة، مما دفع العديد منهم إلى المبالغة في العناوين وفي أسلوب السرد، بل هناك من يعيد نشر فيديوهات قديمة على أنها جديدة فقط لجلب المشاهدات، وبهذا أصبح المشهد الإعلامي المغربي يعيش في دائرة مغلقة من التضليل والتهويل، وتحوّلت السوشل ميديا إلى منصة تزرع الخوف أو الفضول المرضي لدى المتابعين، كما لوحظ أن عددا من المؤثرين لجؤوا إلى استخدام أطفال في محتواهم بهدف زيادة نسبة التفاعل، وهو أمر أثار انتقادات واسعة لأنه يعرض القاصرين للاستغلال الرقمي، وهذه الظاهرة امتدت إلى دول عربية أخرى تواجه نفس الإشكالات مثل الجزائر وتونس ومصر حيث تحولت المنصات الرقمية إلى فضاء مفتوح بلا ضوابط.


ورغم كل الجدل، ما زال جزء كبير من الشباب يستهلك هذه الفيديوهات بشكل يومي لأنها أصبحت نوعا من الترفيه السريع الذي يوفر لهم الهروب من الضغوطات اليومية، مما ساهم في انتشار الإدمان الرقمي حيث يقضي المستخدمون ساعات طويلة في تصفح تيك توك لمشاهدة مقاطع قصيرة قد لا تتجاوز ثلاثين ثانية لكنها تخلق شعورا آنيا بالإثارة يجعل الدماغ يطلب المزيد، وهذا ما جعل المحتوى الهادف ضعيف الانتشار لأنه بطبيعته يحتاج إلى وقت وتركيز، بينما المحتوى السطحي بسيط وسريع، وتستغله الخوارزميات لدفع المستخدم إلى مزيد من المشاهدة، وهو ما يفسر لماذا أصبح الترند المغربي مليئا بالجدل والصراعات والفضائح أكثر من أي وقت مضى.


وبالنظر إلى تحليل الظاهرة، يمكن القول إن المجتمع المغربي يعيش مرحلة حساسة من تطور الإعلام الرقمي، حيث يواجه مزيجا من الحرية الواسعة والفوضى الأخلاقية، ورغم أن السلطات تتدخل أحيانا بطرق قانونية ضد من ينشرون محتوى مخالفا للقانون، إلا أن الحل الحقيقي لا يكمن في المتابعة القضائية وحدها، بل في خلق وعي جماعي جديد يفرز بين المحتوى المفيد والمحتوى المسيء، ويشجع صناع المحتوى الذين يقدمون قيمة حقيقية، لأن واقع اليوم يؤكد أن السوشل ميديا أصبحت جزءا أساسيا من تكوين وعي الجيل الجديد، وإذا لم يتم التحكم في نوعية المحتوى المنتشر فستتفاقم الظواهر الاجتماعية السلبية، وتنتشر السلوكيات التي تظهر في فيديوهات الدار البيضاء ليلا وغيرها من المدن، ما يجعل التحدي أكبر من مجرد مراقبة، بل يمتد إلى إعادة بناء أخلاق رقمية جديدة يتفق عليها المجتمع


تعليقات